سر (صوفية) - ويكيبيديا

سر
معلومات عامة
صنف فرعي من
جزء من
البداية
631 عدل القيمة على Wikidata
الاستعمال
الدِّين
سُمِّي باسم
secret (en) ترجم عدل القيمة على Wikidata
الثقافة
المكان
اشتق من
جزءٌ مِن سلسلة
الموضوع الرئيس
النوع الفني
الصانع
بلد المنشأ
لغة العمل أو لغة الاسم
الرسام التوضيحي
احتفالاً بـ
يُصوِّر
المشغل
يتفاعل مادياً مع
مكان الصنع
العمل الكامل مُتوفِّر في
لديه جزء أو أجزاء

السر عند الصوفية هو حالة تجل وعرفان نفسي إيماني مرده إلى كثرة ذكر وتدبر المريد وشعوراته وأذواقه ضمن مقام الإحسان.[1][2]

تعريف

[عدل]

السر عند المتصوف هو ناتج عن عبادته وكثرة ذكره وخلوته مع الله سبحانه وتعالى وكثرة تدبره وتأمله وتفكره، فتظهر له بعض المعاني الدقيقة التي تحتاج إلى شرح كبير وعبارات إذا ما أراد استخدام اللغة المعتادة، هذه الشعورات والأذواق يكتشف بها سرا من أسرار العبادة.

السر هو أمر شخصي، وذوق شخصي، وتجربة شخصية، ويمكن تعريفه على أنه:

«تكاثر المعارف على قلب العارف»

عندما يذوق العارف شيئا لا يستطيع أن يصل به باللغة المعتادة فإنه يعجز عن الكلام، وليس أنه سر لا ينبغي أن يقوله حتى لا يُفتن.

وهذا السر هو أمر شخصي وذوق شخصي يفيد المريد وقد لا يفيد الأشخاص الآخرين، وهي تجربة شخصية، ولكن الشريعة الإسلامية هي المتحكمة وهي المرجع في ذلك، وهي التي يُقاس بها وهي المعيار الذي يُلجأ إليه في القياس.

فقضية أسرار الطاعة والعبادة مضبوطة بما أوصى به النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في قوله:[3]

«تركتُكم على المحجة البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ» – سنن أبي داود

أما الأسرار والأذواق والانطباعات الشخصية المترتبة عن العبادة، فليس من المناسب أن تُقال أو يُعَبَّرَ عنها لأنها صعبة المنال، أو لأنها شخصية فلا يصلح أن يباح بها للآخرين من هذه الجهة، أو تكون نوعا من أنواع الفتح الذي فتح الله به على الإنسان ليزداد قربا وضراعة ولا يفيد البوح به لغيره.

السر في القرآن

[عدل]

وردت كلمة سِرّ ومشتقاتها في عدة آيات من القرآن الكريم، منها:

سورة الأنعام:[4][5] ﴿وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:3]

سورة التوبة:[6][7] ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [التوبة:78]

سورة طه:[8][9] ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7]

سورة الزخرف:[10][11] ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80]

سورة الطارق:[12][13] ﴿يَوْمَ تُبْلَى 'السَّرَائِرُ [الطارق:9]

البوح بالسر

[عدل]

بما أن السر الصوفي هو قضية شخصية خصوصية، فقد يكون منحة وتشجيعا من الله -عز وجل- للسالك المريد كي يواصل سيره على طريق الطاعة والعبادة.[14]

ذلك أن السر هو نوع من الواردات الصوفية التي لا يحسن البوح بها أو إشاعتها لدى الناس مخافة فقدانها أثرها التربوي الإيماني.[15]

«لا ينبغي للسالك أن يعبر عن وارداته (أي: أسراره)؛ فإن ذلك يقل عملها في قلبه، ويمنعه وجود الصدق مع ربه» – الحكم العطائية: الحكمة 189

ومن أجل ذلك؛ ضنَّ العارفون على غيرهم بما لهم من علوم ومعارف، واعتبروها «أسراراً» لا تُفشى ولا تُذَاع، إلا أن تكون إشارة لمَّاحة يصدرها الذوق من مواهب الحال، وتستقي من التجربة ولا تُعْطَى هباءً منثوراً لكل من هَبَّ فيها ودَبَّ؛ فكما أنها لم تُحَصَّل إلا بالجهد والمعاناة، فكذلك لم تُبذل إلا لمن هو حقيق بها؛ وخليق.[2]

وكان الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو سيد العارفين، قد أشار إلى هذه المعارف الشخصية والخصوصية التي لا تُذاع على عامة الناس لأنهم ليسوا مطالبين بها من طرف الشريعة الإسلامية.[16]

«عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ، أَطَّتِ السَّماءُ، وحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ واضِعٌ جَبْهَتَهُ ساجِدًا لله تَعَالى، واللَّه لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُم بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرجْتُمْ إِلى الصُّعُداتِ تَجْأَرُون إِلى اللَّه تَعَالَى» – سنن الترمذي

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بَلَّغَ أمانة الإسلام إلى كافة الأمة الإسلامية كاملة فيما أمره الله -عز وجل-، أما فيما اختص به من تذوقه «أسرار العبودية» أو اطلاعه على «أسرار الكون» فيما لا يمكن استيعابه وفهمه من طرف غيره من المسلمين، فإنه لم يتم تكليفه بإرهاقهم بتفاصيله.[17]

وعليه فإن المسلمين الصالحين والصديقين والأولياء والعارفين يجب أن يقتدوا بإمام المرسلين -صلى الله عليه وسلم- في عدم شغل عامة المسلمين بهذه الخصوصيات الشخصية والسرية.

الإشارة إلى السر

[عدل]

أسست المدرسة الصوفية «علم الإشارة» الذي يقوم على شرعة الحبّ والذوق والتحقيق، فهم يعتبرون هذا العلم «سِرّاً» لا يناله مطلقاً ما ليس من أهله.[2]

وهم يفعلون ذلك، لأن هذه الأسرار التعبدية مصونة عن عبث الأغيار من الخَلق والآثار والأطلال، وهم قد اصطلحوا على أن السّر هو ما يكون مكتوماً مصوناً بين العبد والحق سبحانه تحت غشاوة الأحوال.[1]

ذلك أن الإشارة قد تكشف عن سر وحال صاحبها؛ وعن تجربته، وقد يتبيّن منها أذواقه العالية فيما عساه يعانيه، وقد لا يتبين منها سوى المواجيد التي يصعب التعبير عنها بلفظ أو بمقولة.

«رُوِيَ أن الجنيد البغدادي رؤي في النوم بعد وفاته، فقيل له: ما فعل الله بك؟، فقال: طاحت تلك الإشارات، وغابت تلك العبارات، وفَنِيَتْ تلك العلوم، ونَفِدَتْ تلك الرسوم، وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها عند السحر»

تفسير السر

[عدل]

لا يتم تفسير السر إلا من طرف شيخ عارف بالله -عز وجل- يدل المريد على فحوى ومعنى وطبيعة الأسرار التي تتوارد على قلبه وحواسه.[18]

وفي الصدر الأول من الإسلام، كان الصحابة -رضي الله عنهم- يعرضون أسرارهم على قدوتهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما في حديث الذي رواء الحارث بن عدي بن مالك -رضي الله عنه- حول حقيقة الإيمان.[19]

«عَنِ الْحَارِثِ بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، فَقَالَ: انْظُرْ مَا تَقُولُ، فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟ فَقَالَ: قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ لَيْلِي، وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا. فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يَا حَارِثُ عَرَفْتَ فَالْزَمْ، ثَلاثًا» – المعجم الكبير للطبراني

ذلك أن الشيطان الرجيم يحاول أن يستدرج المسلمين نحو البدعة والزندقة من خلال محاولة إيهامهم بخدع صوتية وبصرية ووسواسية لا ينجو من مخالبها ومثالبها إلا العارفون الموفَّقون.

فقد كان الشيخ عبد القادر الجيلاني من الصالحين وكان من أولياء الله الذين ظهرت عليهم بعض الكرامات، فحاول الشيطان استدراجه نحو البدعة والانحراف، فاستطاع كشف حيلة الشيطان بسبب معرفته بالفرق بين «السر الرباني» و«الإفك الشيطاني».[20]

«يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني: كُنْتُ ذات مرة جالساً في خلوتي أذكر الله وأسبحه، فإذا بالخلوة تمتلىء نوراً ما رأيت ألذ منه، ثم سمعت صوتاً ما سمعت أجمل منه قط.

فقال له الصوت: يا عبد القادر؟؟؟ فقلت: لَبَّيْكَ!!!
ثم قال له الصوت: لقد أحببناك يا عبد القادر. فقال الشيخ: لقد ذوبت ذوباناً كما يذوب الملح في الماء، وظن أن الله أرسل له ملكاً يكلمه أو أن الله سيكلمه كما كلم نبى الله موسى -عليه السلام-.
وقال له الصوت: ولقد قربناك يا عبد القادر. فقال الشيخ: فاقشعر جلدي.
ثم قال له الصوت: أنا ربُّك يا عبد القادر. فقلت: لَبَّيْكَ رَبِّي، لبيك.
فقال له الصوت: أحللنا لك الحرام يا عبد القادر. فتبدل حال الشيخ وقال لصاحب هذا الصوت: اذهب يا لعين.

فانطفأ النور، وشعرتُ ببردٍ وظلمة، وسمعت صوتا ما سمعت أقبح منه قط وهو يقول: عِلْمُكَ نَجَّاكَ يا عبدالقادر. والله لقد أخرجت سبعين ولياً من ديوان الولاية بها

أسرار القرآن

[عدل]

تلاوة القرآن هي طاعة إسلامية غنية بالأسرار التي يتذوقها القارئ لكتاب الله -عز وجل-، وقد وردت إشارات لهذه الأسرار في العديد من الآثار.[21]

فقد ورد عن سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن تالي القرآن يؤتيه الله بعضا من الأسرار، من بينها تفهيما خاصا لبعض الآيات القرآنية.[22]

«عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي -رضي الله عنه-: قُلتُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: هلْ عِنْدَكُمْ شيءٌ مِنَ الوَحْيِ إلَّا ما في كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: لا والذي فَلَقَ الحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ، ما أعْلَمُهُ إلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا في القُرْآنِ، وما في هذِه الصَّحِيفَةِ، قُلتُ: وما في الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وفَكَاكُ الأسِيرِ، وأَنْ لا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بكَافِرٍ» – صحيح البخاري: الحديث 3047

فهذا الفهم الخاص للآيات، الذي يؤتيه الله -عز وجل- من يشاء من عباده الصالحين التالين للقرآن الكريم، هو من الأسرار التي ينبغي البوح بها للغير مخافة التخليط والتلبيس وفتنة العوام.[23]

وتتجاوز هذه الأسرار المرتبطة بالقرآن مجرد فهم معنوي إلى حضور الملائكة -عليهم السلام- مجلس وخلوة التلاوة بما يليق بكرامة هذه المخلوقات النورانية.[24]

«عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: أنَّ أُسَيْدَ بنَ حُضَيْرٍ بيْنَما هو لَيْلَةً يَقْرَأُ في مِرْبَدِهِ، إذْ جَالَتْ فَرَسُهُ، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَتْ أُخْرَى، فَقَرَأَ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، قالَ أُسَيْدٌ: فَخَشِيتُ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، فَقُمْتُ إلَيْهَا، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فَوْقَ رَأْسِي فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ في الجَوِّ حتَّى ما أَرَاهَا، قالَ: فَغَدَوْتُ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، بيْنَما أَنَا البَارِحَةَ مِن جَوْفِ اللَّيْلِ أَقْرَأُ في مِرْبَدِي، إذْ جَالَتْ فَرَسِي، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ قالَ: فَقَرَأْتُ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ قالَ: فَقَرَأْتُ، ثُمَّ جَالَتْ أَيْضًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اقْرَأِ ابْنَ حُضَيْرٍ قالَ: فَانْصَرَفْتُ، وَكانَ يَحْيَى قَرِيبًا منها، خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ، فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ، عَرَجَتْ في الجَوِّ حتَّى ما أَرَاهَا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: تِلكَ المَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ، ولو قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ ما تَسْتَتِرُ منهمْ» – صحيح مسلم: الحديث 796

أسرار الصلاة

[عدل]
كتاب أسرار الصلاة لمؤلفه ابن قيم الجوزية

إقام الصلاة هو عبادة إسلامية مليئة بالأسرار التي يتذوقها المصلي المقيم لأركانها وسننها ومندوباتها.[17]

«الصَّلاةُ مَحَلُّ المُناجاةِ ومَعْدِنُ المُصافاةِ؛ تَتَّسِعُ فيها مَيادينُ الأسْرارِ، وَتُشْرِقُ فيها شَوارِقُ الأنْوارِ. عَلِمَ وُجودَ الضَّعْفِ مِنْكَ فَقَلَّلَ أعْدادَها. وَعَلِمَ احْتِياجَكَ إلى فَضْلِهِ فَكَثَّرَ أَمْدَادَهَا» – الحكم العطائية: الحكمة 118

فالصلاة هي محل مناجاة العبد لربه بتلاوة كلامه والثناء عليه ومعدن المصافاة معه بتوجهه بكليته إليه وبقدر إقبال العبد يكون إقبال الرب.

وثمرتها إذا كانت على الوجه الأكمل أنها تتسع فيها ميادين الأسرار، أي تتسع فيها القلوب الشبيهة بالميادين للفرسان بمعنى أنها تنشرح بتوارد الأسرار أي العلوم والمعارف التي تتسابق إليها كتسابق الفرسان.[25]

وقد ألف ابن قيم الجوزية كتابه النفيس أسرار الصلاة لإبراز ذوق السماع وذوق الصلاة والقرآن، مع تجلية اللذة الحقيقة والأنس والسرور والحبور في الصلاة وقراءة القرآن.[26]

فحينما يقوم المسلم للصلاة يكتشف حينئذ الأدب في عبادة ربه، وهذه الحالة تسمى «أسرار العبودية» المختلفة عن «أسرار الكون».

وهذا السر الذوقي المرتبط بالصلاة يهدف إلى ارتقاء المسلم نحو مقام العبد الرباني الذي يرضى الله -سبحانه وتعالى- عنه.

ومن ثم فإن الراحة التي كان يستشعرها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة كانت سرا من الأسرار التي تجعله يهرع إليها.[27]

«عن سالم بن أبي الجعد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول : يا بلالُ: أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها» – سنن أبي داود: الحديث 4985

محاذير الأسرار

[عدل]

تتصل بالأسرار التي يفهمها أو يتذوقها أو يشاهدها أو تخطر على بال المريد بعض المحاذير والأخطار، ولعل من أخطرها إسقاط التكليف والتنصل من الطاعة التي جاء بها الفقه الإسلامي.[28]

ذلك أن السر إذا لم يقترن بالأدب والعلم قد يغتر صاحبه بالوصول إلى مرتبة وهمية يسقط بها التكليف الشرعي عنه مثلما هو حال المعتوه والمجنون والهرِم[29] · .[30]

فالسالك لطريق الله -عز وجل- يجب ألا يلتفت إلى هذه الأسرار على أنها حجة له للتقصير في الآداب والطاعات والعبادات التي لا يتوقف تكليفه بها إلا بوفاته اليقينية[31] · .[32]

سورة الحجر: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]

فالتصوف الصحيح لا يعتد بشطحات وواقعات الزنادقة المدعين بوجود الأسرار التي تُعفيهم عن الاستقامة الأخلاقية والشرعية، مثلما أورده أحمد بن علي الرفاعي -رحمه الله-[33] · .[34]

«قال أحمد بن علي الرفاعي لشيخه عبد الملك الخرنوتي: أوصني!!!، فقال له: يا أحمد!!! مُلْتَفِتٌ لاَ يَصِلُ، ومشكك (متسلسل) لا يفلح، ومن لم يعرف من نفسه النقصان فكل أوقاته نقصان»

وإذا كان الالتفات إلى الأسرار والأذواق والمشاهدات قد يمنع مواصلة الطاعة والعبادة، فإن التفلت من التكليف باب للزيغ والنكوص والانقلاب على العقب الذي لا تُؤتمن عاقبته في الدارين[35] · .[36]

«قال الجنيد البغدادي في طائفة جعلت الوصول إلى الله -عز وجل- قرين التفلت من أحكام الشريعة الإسلامية.
قيل له أن جماعة يزعمون أنهم يصلون إلى حالة يسقط عنهم التكليف، فقال في هؤلاء: نَعَمْ وَصَلُوا!!! وَلَكِنْ إِلَى سَقَرْ!!!»

فهذه الأسرار ما هي إلا محفزات وتشجيعات ومنح وجوائز عاجلة في الدنيا للمريد كي يستمر في الاستقامة على طريق الهدى، ولا يمكن أبدا تفسيرها على أنها مسوغات أو استدراج للتوقف عن الاقتراب المتواصل من حقيقة الإسلام.[37]

«لازم أحد المريدين الشيخ عبد القادر الجيلاني -رحمه الله- خمس سنين،

فقال له: أي شيخي عبد القادر!!! قد لازَمْتُكَ خمس سنين، ما فارَقْتُكَ لحظة، فلم أر منك كرامة.
فقال له السيد عبد القادر: أعوذ بالله!!! هل رأيتني قد تركت فرضا من فروض الله -عز وجل-؟
فقال له الرجل: لا.
فقال السيد عبد القادر: فهل رأيتني قد تركت سنة من سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟
فقال المريد: لا والله.
فقال له السيد عبد القادر: هذه والله هي الكرامة.

فالاستقامة خير من ألف كرامة.»

فقول عبد القادر الجيلاني بأن الاستقامة خير من ألف كرامة يدل أن الحواشي والذيول والزوائد المتمثلة في الأسرار لا يجب أن تخلط على المريد سُلَّمَ الأولويات في حياته الروحية، والمتمثلة في الامتثال لأوامر خالقه -عز وجل- بالطاعة والاستقامة حتى الممات.[38]

سورة هود: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود:112]
سورة فصلت: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ [فصلت:6]

فيديوهات

[عدل]

المراجع

[عدل]
  1. ^ ا ب الأسرار والأوقات نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ ا ب ج الإشارات والأحوال نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  3. ^ الدرر السنية - الموسوعة الحديثية نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  4. ^ القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأنعام - الآية 3 نسخة محفوظة 15 فبراير 2020 على موقع واي باك مشين.
  5. ^ القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الأنعام - الآية 3 نسخة محفوظة 20 فبراير 2020 على موقع واي باك مشين.
  6. ^ "القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة التوبة - الآية 78". مؤرشف من الأصل في 2020-11-02. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-02.
  7. ^ "القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة التوبة - الآية 78". مؤرشف من الأصل في 2019-12-06. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-02.
  8. ^ القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة طه - الآية 7 نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  9. ^ القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة طه - الآية 7 نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  10. ^ "القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الزخرف - الآية 80". مؤرشف من الأصل في 2020-11-07. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-07.
  11. ^ "القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة الزخرف - الآية 80". مؤرشف من الأصل في 2020-11-07. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-07.
  12. ^ القرآن الكريم - تفسير البغوي - تفسير سورة الطارق - الآية 9 نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  13. ^ تفسير الطبري | الطارق | الآية 9 نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  14. ^ إحكام الحكم في شرح الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري - أبي الطيب إبراهيم/المواهبي الأقصرائي - Google Livres نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  15. ^ حِكمُ ابن عطاءِ السّكندري | طواسين للتصوف والاسلاميات نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  16. ^ 146 من حديث: (إِني أرى ما لا ترون أطَّت السماء وحُقَّ لها أن تئطَّ..) نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  17. ^ ا ب متــن الحكـم العطائيـة - ا بن عطاء الله السكندري نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  18. ^ الحارث بن مالك الانصاري - The Hadith Transmitters Encyclopedia نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  19. ^ سؤال المسلم عن حال قلبه وإيمانه ؟ - الإسلام سؤال وجواب نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  20. ^ http://fac-sciences-islamiques-ar.univ-batna.dz/images/ouvrages-enseignants/publications/214.pdf نسخة محفوظة 2022-03-13 على موقع واي باك مشين.
  21. ^ "تنبيهات في تلاوة القرآن". مؤرشف من الأصل في 2020-01-31. اطلع عليه بتاريخ 2020-10-29.
  22. ^ الدرر السنية - الموسوعة الحديثية نسخة محفوظة 29 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  23. ^ "جامع السنة وشروحها - صحيح مسلم". مؤرشف من الأصل في 2020-10-29. اطلع عليه بتاريخ 2020-10-29.
  24. ^ الدرر السنية - الموسوعة الحديثية نسخة محفوظة 29 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  25. ^ الموسوعة الشاملة - شرح الحكم العطائية نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  26. ^ اسرار الصلاة ابن القيم الجوزية : قلب مشتاق : Free Download, Borrow, and Streaming : Internet Archive
  27. ^ الدرر السنية - الموسوعة الحديثية نسخة محفوظة 28 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  28. ^ "سقوط التكليف عن فاقد العقل". مؤرشف من الأصل في 2020-10-29. اطلع عليه بتاريخ 2020-10-29.
  29. ^ القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الحجر - الآية 99 نسخة محفوظة 28 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين.
  30. ^ "كرامات الأولياء تفجر الخلاف بين الصوفيين والسلفيين وعلماء الدين". مؤرشف من الأصل في 2020-10-29. اطلع عليه بتاريخ 2020-10-29.
  31. ^ المطلب الأول: رأي من يعتقد هذا الاعتقاد باختصار - الموسوعة العقدية - الدرر السنية نسخة محفوظة 15 أغسطس 2020 على موقع واي باك مشين.
  32. ^ الحكم المهدوية الملتقطة من درر الإمدادات النبوية - محمد مهدي الصيادي/الرواس ،الشيخ - Google Livres نسخة محفوظة 30 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  33. ^ البرهان المؤيد : يا أحمد ملتفت لا يصل ومشكك لا يفلح ومن لم يعرف من نفسه النقصان فكل أوقاته نقصان نسخة محفوظة 29 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  34. ^ البرهان المؤيد لصاحب مد اليد مولانا الغوث الشريف الرفاعي أحمد - شرف الدين بن عبد السميع/الهاشمي الواسطي - Google Livres نسخة محفوظة 29 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  35. ^ «الإمام الجنيد».. واجه شطحات «البسطامى والحلاج والشبلى» - أهلا رمضان - الوطن نسخة محفوظة 17 أكتوبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  36. ^ الموسوعة الشاملة - إيقاظ الهمم شرح متن الحكم نسخة محفوظة 13 أكتوبر 2018 على موقع واي باك مشين.
  37. ^ الاستقامة خير من ألف كرامة | مجلة روح الاسلام نسخة محفوظة 29 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  38. ^ دينامية النص الصوفي - بحوث ودراسات في التصوف الإسلامي - قويدر قيدار ،الدكتور - Google Livres نسخة محفوظة 29 أكتوبر 2020 على موقع واي باك مشين.